لقد نهى الإسلام عن ترويج الأخبار دون تثبت، ولهذا أسباب ومبررات شرعية تقتضيها المصلحة العامة، فقد يتسبب النقل غير الرشيد للأخبار في إيقاع الأذى بالناس و هدم الأسر، وقد يؤدي إلى هزيمة جيش، أو إفساد في الأرض، أو صرف المسلمين عن قضاياهم ذات الأولوية وانشغالهم بتوافه الأمور، من أجل هذا أمر الإسلام بالتروي والتثبت من كل نبأ قبل نشره أو اتخاذ ردة فعل تجاهه.
حول خطورة تداول الأخبار غير الموثوقة تحدث فضيلة الشيخ رائد الحزيمي، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن تناقل الأنباء بغير علم مصيبة، وعواقبها خطيرة تصل إلى حد أنها تفت في عضد الدولة، فعالم اليوم يموج بأخبار لا حصر لها، تعج بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تنتقل على مدار الساعة دون ضابط ودون توقف، والتهاون في أمر نشر وتداول الأخبار يدخل المسلم في دائرة الإثم، فقد جاء في الحديث: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) [رواه مسلم]، وفي رواية أخرى (كفى بالمرء كذبا)، كما حذر النبي من الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، واليوم يحدث كل هذا بلمسة زر واحدة، ولا يلتفت كثير من الناس أن ذلك قد يترتب عليه آثار خطيرة على الأفراد وعلى الشعوب أيضا، وكلنا يرى تدوير آلاف الأخبار الملفقة والشائعات، والتلاعب بالصور والأسماء والأحداث في الفضاء الإلكتروني، والفاعل والمصدر دائما حسابات وهمية مجهولة لا تعرف أهدافها ولا الجهات التي تحركها.
قد يبرر إنسان بأنه مجرد ناقل للخبر وليس مصدرا له، فيرد عليه حديث رسول الله (بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل زَعَمُوا) [سنن أبي داوود]، أي أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظة "زعموا" وسيلة لنقل خبر دون تثبت فيخطئ ويدخل في باب الكذب.
ربنا جل وعلا أدبنا في كتابه العزيز، وعلمنا ضوابط وآداب نقل الخبر، أولها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]، لو تسبب إنسان في نشر خبر ثم اتضح فيما بعد أنه مكذوب فلن يستطيع تدارك الأمر وسيندم على ما فعل، حسبما جاء في الآية.
ولا ننكر أن في كثير من بلداننا أول فئة تنشر عنهم الشائعات والأكاذيب هم الحكام والعلماء، لإسقاط هيبتهم وشحن النفوس ضدهم، وهذا بحق هو مكر الليل والنهار، وما يسمى غسيل الأدمغة، حتى لا تبق للمسلمين مرجعية، لا سياسية ولا شرعية، فتشيع الفوضى، وتسقط هيبة الدولة، وحينئذ تدخل جهات ذات أجندات خاصة، يتملكون الساحة، ويفسدون على الناس دينهم ودنياهم.
من ناحية أخرى، ماذا لو أن الخبر صحيح، هل علي أن أنشره؟ هنا أيضا يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتريث، وأن نرد الأمر إلى أهله، وولاة الأمر المعنيين به، يقول عز من قائل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83]، هذا تأديب من الله لعموم الناس، أن يتثبتوا، وألا يتعجلوا نشر أي خبر قبل أن يردوه إلى أهل العلم والرأي، الذين هم على دراية بالمصالح والمضار، فما أكثر الذنوب التي تجيء من وراء ما يسمى (السبق الصحفي)، إن للناس حق علينا ألا نرعبهم أو نلقي إليهم ما يشعرهم بالقلق مما هو آت، ونقل خبر غير مدروس قد يؤثر حتى في الاقتصاد، وفي حركة الأسهم في أسواق المال، فما بالنا بالسياسة والأمن القومي.
وأخيرا يحذر فضيلة الشيخ من الظن، لأنه حتى ولو كان الخبر صحيحا، فإن الجدل حول أسبابه وتداعياته، وإضفاء وجهات النظر الشخصية على الأحداث المجردة، وتحميل الأمور أكثر من حقيقتها، يدخل الناس في متاهات الظن، ولهذا جاءت القاعدة الربانية الثالثة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) رواه البخاري.